Accéder au contenu principal

تأملات في تناقضات ..







1: السعادة ليست هنا بل هناك


أعتزم نشر سلسلة مقالات تحمل في طياتها جملة تساؤلات ذات طبيعة فلسفية، اجتماعية، نفسانية..


تساؤلات تدفع المرء للتفكير والتأمل في بعض مواضيع وقضايا الحياة اليومية، قصد النبش في الأفكار والتجارب وتقاسمها مع الغير، عنونتها بتأملات في تناقضات وهذا أول مقال في هذه السلسلة.


عند تأملنا لبعض مواقف الحياة اليومية، نلاحظ أن الإنسان يميل في أغلب الأحيان إلى رفض من يريده والنفور مما يمتلكه مقابل حب من لا يريده والطموح إلى ما لا يمتلكه، ربما تلك هي فطرة الإنسان، فطرة لا تقبل بالسهل الجاهز العادي، بقدر ما تسعى للصعب الذي يحتاج جهدا، وتتطلع لما هو مختلف وجديد وأحيانا غريب، آنذاك فقط يرضى المرء ويحس أنه حصل على شيء أفضل مما أتيح له في البداية، شيء لا يوجد في قارعة الطريق بل في قمة الجبل.


لكن لو عدنا قليلا إلى الوراء لوجدنا أن هذه الملاحظة ليست بنت اليوم ولا الأمس، بل قديمة قدم الإنسان نفسه، حيث تمتد منذ الأصل وهلم جرا عبر التاريخ الإنساني، فهذا أصلنا وأبونا آدم: حيزت له الجنة بما فيها، وتوفرَ له ما به تلذ النفس وتَسعَد، وما يتمنى أي مخلوق من نَعيم وِنعم..


ورغم ذلك، لم يستطع النّعيم والنِّعم أن يكبحا رغبته باكتشاف السر الذي تخفيه الشجرة المنهي عنها، واقترب من الممنوع..أي كما قلنا في السابق مما ليس لديه، أما ما لديه فربما لا يحمل نفس التشويق والإثارة والشغف الذي يحفّ "الممنوع". من هنا، ربما تقل حدة دهشتنا واستغرابنا إزاء بحث الإنسان الدؤوب عما ليس ملكه، والنظر إلى ما يتمتع به الأخر اعتقادا أن السعادة غالبا تكون هناك عند الآخر وغدا، وليست هنا والآن.


وبالتالي فلا تتعجب إن وجدت أن عزيز ولد سي ابراهيم "مول الحانوت" يرفض الاشتغال في دكان أبيه كما ظل يوصيه منذ نعومة أظافره، رغم محاولته التأقلم مع الدكان ومحاولة إرضاء أبيه لكن تأبى نفسه ولا يحس بتحقيق الذات في الحانوت وكأنه يقول: "لن أعيش في جلباب أبي"، وقس على ذلك ابن فقيه أصبح فاسدا، وابن سكّير أصبح إماما..


ولا عجب أيضا إن رأيت شابا يرفض الزواج من ابنة عمه التي ألف –حتى ملّ- السماع بعزم العائلة تزويجهما مذ كانا صغيرين، أو شابة ترفض الزواج من ابن خالتها وهي التي تتطلع للجديد وللغريب الذي ستعيش معه تجربةتتمنى أن تكون مغايرة للمألوف.


ولا تستغرب عندما تعلم أن سعد يحب شهرزاد، لكن شهرزاد تحب الحسين بينما الحسين لا تهمه شهرزاد لأنه يحب فاطنة وفاطنة لا تهتم بالحسين لأنها تتمنى العيش مع شخص لم تفصح عن اسمه أصلا...وكل يغني على ليلاه وللناس في ما يعشقون مذاهبُ.


أختم المقال بأبيات من إحدى المعلقات العشر، للشاعر ميمون بن قيس الأعشى: معبرا عن حبه لفتاة تحبه غيره وذاك الغير يحب غيرها وهكذا..


علّقتها عرضاً وعلقتْ رجلاً غَيرِي وَعُلّقَ أُخرَى غيرَها الرّجلُ


وَعُلّقَتْهُ فَتَاة مَا يُحَاوِلُهَ مِنْ أهلِها مَيّتٌ يَهذي بها وَهلُ


وَعُلّقَتْني أُخَيْرَى مَا تُلائِمُني فاجتَمَعَ الحُبّ حُبّاً كُلّهُ تَبِلُ


فَكُلّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بصَاحِبِهِ نَاءٍ وَدَانٍ وَمَحْبُولٌ وَمُحْتَبِلُ

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

مدخل إلى علوم التربية

لا أحد من الدارسين يستطيع أن ينكر أن التربية كممارسة سلوكية عرفت وجودها مع وجود الحياة.فالمهتمون بالدراسات الإنسانية عامة، و بتاريخ الفكر التربوي خاصة،يشيرون إلى أن التربية قد مورست،و بشكل تلقائي،منذ العصور التاريخية الأولى. و الأكيد أنه مع تطور وضع الإنسان فكريا و اجتماعيا، و تبدّل حياة المجتمعات عبر التاريخ،تطورت التربية،فتبدل مفهومها و تغيرت أسسها و قواعدها، و تبدلت نتيجة لذلك الآراء التي تشكلت حول الأطفال،و الأساليب التي ينبغي اتباعها لتربيته و تكوينه بما يغطي مختلف نواحي شخصيته... و كلّ هذا سيعرف بالطبع انعكاسا ملحوظا على معنى التربية و مفهومها،إذ سيعرف هذا المفهوم بدوره عدة تسميات، كلّ واحدة منها تعكس في الأصل فهما و معنى خاصين لعلوم التربية.

نظريات التعلم

نظريات التعلم   حنافي جواد النَّظرية: هيَ عبارةٌ عن مجموعة من البناءات والافتراضات المترابطة التي توضح العلاقات القائمة بين عددٍ من المتغيرات وتهدف إلى تفسير ظاهرة والتنبؤ بها. (تعريف كيرلنجر- Kerlinger ). نظريات التعلم: نظريات التعلم والتعليم هي مجموعة من النظريات التي تم وضعها في بدايات القرن العشرين الميلادي وبقي العمل على تطويرها حتى وقتنا الراهن وأول المدارس الفلسفية التي اهتمت بنظريات التعلم والتعليم كانت المدرسة السلوكية رغم أن بوادر نظريات مشابهة بُدأ العمل بها في المرحلة ما قبل السلوكية. [1]

البيداغوجيا الفارقية وتقنيات التنشيط

البيداغوجيا الفارقية وتقنيات التنشيط قبل البدء:     لن يكون البدء إطنابا في البيداغوجيا الفارقية، بقدر ما سيكون رَمُّوزًا لمنبعها ولأهميتها في التربية والتعليم. ذلك أن الفروق الفردية تنبع من طبيعة الاختلاف الذي أوجده الله تعالى في البشر، ونوعه في الطاقة والتحمل والاستيعاب والقدرات التحصيلية والأدائية والتواصلية للفرد، وهو اختلاف طبيعي و مكتسب في آن واحد؛ فالطبيعي يعود إلى طبيعة وبنية الفرد البيولوجية، وفسيولوجية هذه الطبيعة وتلك البنية، ومدى إمكاناتها الطبيعية في أداء وظيفتها على الوجه الأكمل. في حين المكتسب من الفروق الفردية يعود إلى التنشئة الاجتماعية والثقافية والحالة المادية والمعنوية للفرد كما للمجتمع والأسرة، ولست في حاجة إلى تعداد نماذج من هذه الفروق، فيكفي مثلا أن الفرد الذي يعيش في أسرة ميسورة ومثقفة ومنفتحة على محيطها الاجتماعي... غير الفرد الذي يعيش في أسرة على نقيض الأولى، فتم فروق فردية تظهر في مستوى التواصل وطريقة التفكير وتمثل العالم الداخلي للفرد و العالم الخارجي عنه.
');
?orderby=published&alt=json-in-script&callback=mythumb\"><\/script>");

صور فليكر

احدث المواضيع